7 أبريل, 2012
تحمل دراسة الصراع العرقي معها تعقيدات، فهي تتطلب تجربة عملية
ونظرية إلى حد كبير وضرورية لتحقيق النتائج المرجوة. يدخل الناس عموما في صراعات على
الأشياء النادرة لكونها هامة وقيمة، بما فيها الأرض، السلطة السياسية، فرص العمل، فرص
التعلم، ورأس المال. وتهب جماعات للتضحية من
أجل مسائل تمس الكرامة والإحترام الجماعيين، مثل قضايا اللغة والدين وقدسياتهما.
يمكن عموما تلخيص أسباب الصراع العرقي في النقاط التالية:
أسباب سياسية:
وهي واحدة من الأسباب الشائعة والرئيسية لمعظم الصراعات العالمية
والتي تتمثل في أشكال كثيرة، منها مشاكل متعلقة بالأرض واللامساواة السياسية واقصاء
جهة من الساحة السياسية وإضطهاد الأقليات… إلخ، ومن أجل حل المشاكل السياسية، يمكن
عموما إتباع طريقتين:
1. اللجوء إلى كل أنواع العنف
2. الاستفادة من الضغط السياسي السلمي بهدف كسب المساواة
السياسية التي هي واحدة من الوسائل الهامة لتحقيق الاستقرار في أي بلد.
أسباب إقتصادية:
يرى عدد من الباحثين أن الصراعات العرقية هي في الأساس عبارة
عن صراعات إقتصادية من أجل الوصول إلى الموارد الاقتصادية. بعبارة أخرى، فهم يرجعون
جذور كل الصراعات السياسية إلى أسباب اقتصادية ويعتقدون أن الأحزاب السياسية المهيمنة
سوف تستخدم القوة من أجل ضمان المصالح والإمتيازات لأعضائها والموالين لها على حساب
خصومها. كما يعتقدون أيضا أن اللغة السياسية كثيرا ما تستخدم للتعبير عن عدم المساواة
الاقتصادية. تتمثل اللامساواة الإقتصادية في عدة أشكال منها التمييز في التوظيف في
المؤسسات الحكومية، عدم وجود فرص متساوية للوصول إلى التعليم العالي، الخلل في تخصيصات
الخدمات مثل الصحة، الطرق والجسور، الطاقة الكهربائية، إمدادات المياه، وما إلى ذلك.
في النتيجة فإن عدم المساواة الاقتصادية يولد الإستياء بين هؤلاء الذين يتعرضون للإقصاء.
أسباب ثقافية:
تلعب الثقافة دورا حاسما في التوترات والصراعات. يمكن للغة والدين
كاثنين من عناصر وملامح الثقافة البارزين، أن يلعبا أدوارا أكبر في تصعيد حدة الصراعات
أو التخفيف منها.
ومع ذلك، هنالك عوامل أخرى تلعب أدوارا هامة في التعجيل بالصراعات:
1. عندما تتصور الجماعات باهانات موجهة لشرف مجتمعها
وكرامته
2. عندما يكون هناك تهديد ملموس لمصالح جماعة عرقية
من قبل جماعة عرقية أخرى أو من قبل الحكومة. على الرغم من حقيقة أن الجماعات العرقية
المضطهدة في بعض الأحيان قد لا تكون قادرة على التصدي المباشر لهذه الأعمال العدوانية
لأنها ضعيفة جدا أو أنها سيئة التنظيم، مع ذلك ليس هناك أي ضمان بأن هذه الجماعات سوف
تتحمل وتلزم جانب الصمت إلى الأبد.
بوجود الأسباب المذكورة أعلاه، يمكن لحوادث غير متوقعة أن تؤدي
إلى تحويل النزاع العرقي إلى أسوأ مستوى، أي إلى أعمال العنف والقتال العرقي. قد تتجسد
تلك الحوادث في أي واحدة مما يلي: خطابات بعض القادة السياسيين الاستفزازية التي تسبب
الإضطراب بين المجموعات الأخرى، انتخابات غير ناجحة، تغيرات غير متوقعة في أمن المنطقة
والزيادة السريعة في أعمال العنف خلال أعمال الشغب.
بعد الإشارة إلى النقاط أعلاه يمكن القول أن نظرة الجماعات تحدد
نوع العلاقة بينها فيما إذا كان يشوبها العنف
أم السكينة، فيما إذا كانت على استعداد للتواصل أم لا، فيما إذا كانت ترتاب من أية
تحركات للجماعات الأخرى أم تعتبرها عادية. وفقا لذلك، يمكن القول بوجود ثلاث تصورات:
1. التصور الجوهري: من خلال هذا النوع من التصور يؤخذ
كل تحرك من المجموعات المقابلة مأخذ التهديد لمصالحها المادية، الثقافية والإجتماعية،
وبالتالي فإن التسوية لديهم علامة على ضعف جماعتهم.
2. التصور العملي: وفيها لا يزال التضارب في المصالح
قضية حيوية ولكن الحل الوسط يبدو معقولا، وخصوصا على بعض القضايا التي تبدو للجماعة
من الهوامش وغير أساسية.
3. التصور التبادلي: يتلخص في نية المجموعات تحويل
علاقاتها بحيث تصب في الصالح العام للجميع، ويتم لهذا الغرض الاستفادة من الدولة كأداة.
مشكلة كركوك
بما أن مشكلة كركوك ليست معزولة، وهي امتداد لغيرها من مشاكل
العراق، لذلك فإن نظرة الجماعات والمكونات في داخل العراق تجد لها انعكاسا مباشرا على
مدينة كركوك. عند ذكرنا لتصورات المجموعات لبعضها البعض أشرنا إلى ثلاث تصورات. وعلى
الرغم من عدم توفر بيانات دقيقة إلا أنه بإمكاننا أن ندرك أن تصورات الأكراد والعرب
والتركمان والمسيحيين والمكونات الأخرى في كركوك نحو بعضها البعض تصنف في معظمها تحت
التصور رقم واحد أي الجوهري. أي أن أي قرار أو تحرك سياسي تتخذه جهة سياسية يتم التعامل
إزاءها بحساسية وريبة من قبل أي فريق آخر، وهذا قد يكون في قسم منه ناتجا عن إنعدام
الثقة السياسية الذي خلقه التاريخ غير المرغوب فيه للتعايش منذ بدايات نشوء الدولة
العراقية ولحد الآن، في الواقع، فإن وجود هكذا نوع من التصور يجعل من الحل السلمي والبعيد
عن العنف قريبا من المحال، ولكن هذا لا ينبغي أن يدفع إلى الإحباط. إن وجود عدد من
القوميات والأعراق في كركوك ليس مشكلة بحد ذاته، إنما تكمن المشكلة في عدم القدرة على
إدارة الصراع. يمكن للمرء التعرف بسهولة على العشرات من المدن والدول المتعددة الأعراق
والثقافات والمذاهب والتي تعيش بسلام.
كما ذكرنا أعلاه فإن الظلم السياسي والاقتصادي سببان رئيسييان
لتعميق الصراع، ويصعدانه أحيانا إلى مستوى العنف. وهذان السببان للأسف متوفران في كركوك
وملموسان، كما تم التأكيد على هذه القضية في النقطة الثالثة من بيان المعارضة المشترك
والصادر في ٨/٢/٢٠١٢. واضح أن هذا يعبر عن قلق ثلاث أحزاب كردية إزاء طريقة الإدارة
في كركوك التي تخضع للهيمنة الكردية، وبالتأكيد فإن قلق ومخاوف التركمان والعرب والمسيحيين
هي أكبر.
بما أن مشكلة كركوك ذات جذور تاريخية عميقة وكون الصراع من تلك
الصراعات المتعلقة باحتياجات الإنسان الأساسية مثل الأمن، والهوية والاعتراف، والحكم
الذاتي، لذلك فان حلها ليس بالعمل السهل لأن احتياجات الإنسان الأساسية هي في جوهرها
من تلك الإحتياجات غير القابلة للمساومة، هذا الى جانب تدخل الأطراف الإقليمية والدولية
التي تلعب دورا سلبيا في التوصل الى الحل المنشود.
إن التخفيف من حدة الصراعات في بلد متعدد الأعراق يعتمد إلى
حد كبير على طبيعة الصراعات. إذا كان الصراع على المصالح، فبالإمكان معالجته عن طريق
المبادئ الديمقراطية وتعزيز محاولات التعايش السلمي. ولكن إذا كان الصراع حول الاحتياجات
الأساسية فإنه من غير المرجح أن تلعب الآليات الديمقراطية دورا يذكر في تسوية النزاع.
يبدو أن بعض السر الكامن وراء عدم تنفيذ المادة 140 حتى الآن مرتبط بهذا العامل.
مع جميع الأسباب المذكورة، يمكن للنخب السياسية أن تلعب دورا
سلبيا أو إيجابيا في تعبئة أتباعها من خلال إثارة المشاعر العرقية والدينية والطائفية،
بعبارة أخرى يمكننا القول أنه على الرغم من أن مواطني كركوك يلعبون دورا كبيرا في اتخاذ
قرار بشأن مصير ومستقبل مدينتهم ويمكنهم فك الكثير من العقد المستعصية عن طريق التعايش
السلمي، مع ذلك يجب القول أن بإمكان النخب السياسية لمكونات مدينة كركوك أن تسقط تلك
الأحلام (متى ما أرادت).
وأخيرا، يجب على القيادة السياسية الكردية أن تكون مدركة لحقيقة
أنه إذا لم تتمكن المكونات والأحزاب في كركوك والأطراف المعنية في العراق التوصل الى
اتفاق مشترك فإن هناك احتمالا قويا بأن الأمم المتحدة سوف تتدخل. وتحاول الامم المتحدة
في الغالب معالجة مثل هذه المشكلات بإيجاد واعتماد الحلول الوسط، وفي مثل هذا الحالة
قد تحول كركوك إلى إقليم مستقل، مثل مقاطعة برجكو في البوسنة وجزر آلاند في فنلندا.
بشكل عام هناك ثلاث سيناريوهات متوقعة في اتخاذ قرار بشأن مستقبل
كركوك:
1. ضم كركوك الى إقليم كردستان
2. جعلها أقليما مستقلا
3. ضمها الى المركز (بغداد)
كون الكورد متمتعين بالهيمنة في تلك المدينة يمكنهم مهما كانت
الظروف ان يلعبوا الدور البارز في توازن القوى لاحقا، ويتم هذا بالتعامل العادل مع
كافة المكونات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، بهذا يمكنهم الى حد كبير
ضمان الإبتعاد عن السيناريو الثالث، وهو الأحتمال الأسوأ بالتأكيد في نظر الكورد.
الخطوط العريضة العامة لتسوية مشكلة كركوك
ينبغي أن يأخذ أي حل النقاط التالية بنظر الإعتبار:
1. إن المبدأ الأساسي لأي حل هو عكس النتائج التي نشأت
بسبب الصراع. على سبيل المثال، إذا تم طرد بعض الناس من وظائفهم بسبب انتماءاتهم العرقية،
فإنه ينبغي إعادة توظيفهم وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم.
2. يجب عدم تهميش أية جماعات دينية أو عرقية. على العكس
من ذلك، ينبغي حثها لكي تكون جزءا من الحل
لأنه كما ذكرنا، فان مثل هذه الصراعات ترتبط باحتياجات الإنسان الأساسية، مثل الإنتماء
والأمان.
3. وأن ينبع أي حل من داخل كركوك نفسها وان لا تقوم
النخب السياسية بفض منازعاتها التي لا علاقة لها بكركوك على حساب كركوك.
4. ان تتلخص مهمة منظمات المجتمع المدني في هذا المجال
في تعريف كل مكونات مدينة كركوك بمفاهيم التعايش السلمي.
ويمكن أن يتم هذا من خلال ثلاث طرق:
أولا: جمع عدد من مسؤولي مكونات
كركوك من أجل خلق جو ودي وبناء تفاهم متبادل اكثر.
ثانيا: محاولة التقريب بين الشخصيات
البارزة من مختلف مكونات المدينة من خلال عقد ورشات عمل مستمرة ونشاطات أخرى متعددة
لـ(علماء الدين والكتاب والمثقفين والوجهاء، والفنانين… الخ.)
ثالثا: محاولة ردم الفجوة بين
المسؤولين السياسيين والإداريين للمدينة من جهة وعلى مستوى القاعدة من جهة أخرى. هذه
نقطة أساسية جدا في تغيير مواقف الجماعات تجاه بعضها البعض، على الأقل تغيير مواقفهم
من التصور الجوهري إلى التصور العملي مما يقربنا من الحل.
5. لضمان حماية أي اتفاق ترضى به مكونات كركوك، من
المفضل أن تلعب الأمم المتحدة دور الحكم لضمان امتثال والتزام جميع الأطراف.
الحل المقترح من قبل “إسكوبار”:
تقترح دراسة قام بها فريق من جامعة كولومبيا بإشراف ‘جابريئيل
إسكوبار’ في عام 2011 أن تدار كركوك بشكل مشترك من قبل حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان
و مجلس محافظة كركوك، على أن يتمتع سكان كركوك بكافة حقوق مواطني إقليم كوردستان إضافة
إلى حقوقهم المنصوص عليها في الدستور العراقي، وبالأخص أهالي مدينة كركوك، أن يتمتعوا
بحق التصويت في انتخابات اقليم كوردستان وبحق التوظيف فيه.
طبقا لهذا ستكون كركوك مرتبطة قانونيا بكلتا الحكومتين العراقية
وحكومة إقليم كوردستان. وسيتم تقسيم الصلاحيات الدستورية بين الجهات الثلاث المشار
إليها أعلاه، حيث ستكون لكل منها صلاحياتها الحصرية وبعض الصلاحيات المشتركة. وعن طريق
سلطة لامركزية، يمكن بناء سلطة غير مسيسة وبالتالي تقليل الفوارق العرقية.
يرى هذا الفريق إن إجراء التعداد في الوضع الراهن في كركوك عمل
مناسب ويستحسن إجراء الإنتخابات وفق قواعد التناسب 32-32-32-4 ، وبناء على ذلك سيتسنى
للأكراد والتركمان والعرب المشاركة في الانتخابات على قدم المساواة في التناسب، يذكر
الفريق بعض الفوائد من هذا الاقتراح:
1. التمهيد للانتخابات القادمة
2. إنشاء إدارة مشتركة يقبل بها الجميع ويمكن أن تسهل
تعداد السكان في كركوك
3. تقليل الخوف من تزوير الانتخابات إلى حد كبير لأنه
سيكون بإمكان الأطراف أن تمارس التزوير على مستواها الداخلي فقط، بمعنى سيكون بإمكان
العربي أن يخدع العربي، والكردي يخدع الكردي، والتركماني يخدع تركمانيا آخر.
ويعتقد الفريق أن جميع النقاط المذكورة أعلاه يجب أن تتم تحت
إشراف رسمي من الأمم المتحدة.
ملاحظة: نحن أوردنا هذا الحل فقط لتبيان الموضوع ولا ينبغي أن
يفهم على أنه نوع من التفضيل له أو الإتفاق معه.
No comments:
Post a Comment