Sunday, 22 November 2015

The Kurds and Political Stability (in Arabic)



الکورد و الإستقرار السیاسي في العراق

مقدمة

عندما أجبرت القوات الصفوية علی الخروج من هذ البقعة، والتي تعرف الآن باسم إقليم کوردستان العراق، من قبل القوات العثمانية و بمساعدة القبائل الكوردية التي کانت تقطنها في عام ١٥١٤، تم إنشاء كيانات سياسية جديدة نتیجة المفاوضات بين العثمانيين و القبائل الكوردية. تمتعت هذە الامارات بقدر كبير من الحكم الذاتي و الاستقلالیة. يمكننا الافتراض أن مهما کان الحکم الذاتي المعطاة حقیقیا و عن  طریق التفاوض التفاعلي و بمشارکة الجهات الفعالة فإنها تٶدي الی وجود و تنامي الاستقرار السیاسي. و علی العکس، مهما کان سیاسة الإقصاء السیاسي شدیدة کانت ردة الفعل من قبل المکون الآخر اعنف. يشير الحكم الذاتي الحقيقي الی إشراك جميع الأطراف المعنیة في المفاوضات من اجل تصميم القالب الذي ينبغي أن تقوم علیە العلاقة في المستقبل  و تلتزم الطرفان بأحكامه وشروطه.
سيتم تصنيف امثلة الحكم الذاتي في هذا القسم إلى عصر ما قبل إنشاء الدولة العراقية في عام ١٩٢٠ وعهد ما بعد ذلك. وسيتم تقسيم فترة ما قبل نشوء الدولة العراقیة الحدیثة إلى فترتين. كل فترة لديها مجموعات مختلفة من المؤسسات لإدارة الحكم الذاتي في الأراضي التي تشكل العراق الآن. ان الحقبة الأولى تتضمن إنشاء بعض إمارات مستقلة وشبه مستقلة بعد هزيمة القوات الصفوية في عام  ١٥١٤ و هذا العصر استمر حتى منتصف قرن التاسع عشر مع إدخال نظام جديد للحكم من قبل الإمبراطورية العثمانية التي لم تقلل فقط من وجود الاستقلالية الموجودة بل ألغتها بالکامل. في حين، تبدأ الفترة الثانية من صدور ‘قانون الولایات’ في عام ١٨٦٤ وحتى هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى. هذە الفترة تمیزت ببناء ولایات جديدة مثل بغداد والبصرة و الموصل. ومع ذلك، شهدت فترة ما بعد انشاء الدولة العراقية حالتين من الحكم الذاتي للکورد، الذين یشکلون نحو خمس سكان العراق (Gunter 2008: 2). أولا، الحكم الذاتي الذي إستمر مدة خمس سنوات وأدى الی استقرار سياسي نسبي من ١٩٧٠ الی ١٩٧٥. ثانيا: بعد حرب الخليج وانتفاضة الکورد في عام ١٩٩١، أنشأت الأمم المتحدة منطقة حظر الطيران في منطقة  کوردستان و التي ادت الی ان تقوم الدولة العراقیة بسحب دوائرها من هذە المنطقة، و بعدها انشاء کیان ذاتي کوردي.
بعدها یتم البحث مختصرا عن سببین من أسباب تدهور الحکم الذاتي و تنامي عدم الاستقرار السیاسي في العراق قبل ٢٠٠٣، الا و هما قضیة القومیة و العروبة الشاملة.

الحكم الذاتي قبل تأسيس الدولة العراقية
فترة ما قبل ١٨٥٠
كانت  جالدیران المعركة التي أسفرت عن هزيمة الصفويين، من قبل العثمانيين والقوات القبلية الکوردیة في عام ١٥١٤ (Özoğlu 2004: 48). المناطق الکوردیة، والمعروفة باسم كوردستان من قبل المؤرخين (Yildiz 2007: 7) كانت لفترة طويلة تحت حكم الصفويين. وكانت سياسة العثمانيين من بعد الحرب تتمثل في مكافأة هذه القبائل الکوردیة، و البعض منهم کانت اتحادات قبائل، من خلال منحهم حكومات مستقلة وفقا لتأثيرها و دورها في المعركة الحاسمة في  جالدیران (Gunter 2011: 64). من جانب أخر، کانت هناك حاجة العثمانيين لخلق منطقة عازلة مع الصفویین من هذه إلامارات الکوردیة التي كانت تقع على الشرق و جنوب الإمبراطورية العثمانية و التي کانت تواجه الأراضي الصفوية مباشرة. في ١٥٢٧، كان حکومة كوردستان بين الاقالیم الأولى التي أنشأها العثمانيون، إلى جانب مع مصر (Imber 2002: 179). ومع ذلك، فإن هذا التقسيم الإداري لکوردستان لم يدم طويلا بسبب الغزوات الجديدة التي قام بها العثمانيون في جنوب كوردستان. بسبب حاجة العثمانیین الملحة إلى إنشاء كيانات جديدة للكورد تتمتع بالحكم الذاتي، بدأت مفاوضات الکورد مع  العثمانیین الذين فوضوا رجلا باسم إدريس  البتلیسي للتفاوض. ان إدريس  البتلیسي كان دبلوماسيا بارزا و أحد المسؤولين السابقين ل(آق قوینلو) (McDowall 2004: 27). كان اق قوینلو اتحادا قبائلیا تركمانية حكمت بعض أجزاء کوردستان (Gunter 2011:29)  ولكن سحقوا من قبل الصفويين.
كانت هذه المفاوضات حقيقية وفقا للتعريف السابق للحكم الذاتي الحقيقي، وذلك للأسباب التالية:
1)   شارك الکورد في عملية المفاوضات وفي تصميم شكل الحكم الذاتي الذي ترغب في التمتع بها.
2)   سياسيا، کان العثمانيون منفتحین تماما  لقبول و احترام أية شروط کوردیة، طالما أن الکورد یعترفون ب ‘الهيمنة العثمانية الاسمية و الرسمیة’ (Gunter 2011: 64)  مثل استخدام نظام العملة العثمانیة، و الدعاء للسلطان في مناسبات رمزية مثل صلاة الجمعة (Tripp 2007: 9).
وتعليقا على الأوضاع السياسية و المفاوضات، یشير ماكدويل (2004: 27)  إلى أنه بالرغم من أن الإمبراطورية العثمانية، برئاسة السلطان سليم الأول،  كانت عادة تميل نحو المركزية الا انها أثبتت انفتاحها مع الکورد. الانفتاح السیاسي العثماني کان لدرجة  انها اعطت ادریس البتلیسي عریضات firmans  فارغة (أوامر السلطان مختومة من قبل السلطان نفسه) لیوافق على کل شروط الکورد. في عملية إنشاء الإمارات، تم التفاوض على شروط وأحكام كل من امراء و  رٶساء القبائل على حدة. إن المؤرخين يذكرون الصفقة التي اقرتها الدولة العثمانية مع بعض امراء و قبائل الکورد و التي شملت المواد التالية (Karim 2008: 53).
1)   الاعتراف باستقلال إلامارات الکوردیة في إدارة شؤونهم الداخلية
2)   اعتراف سلطان الدولة العثمانية بالنظام الوراثي في إلامارات، فعادة لم یکن يسمح للمناطق أخرى بتبني النظام الوراثي، حيث کان یتم تعيين الحكام من قبل السلطان (McDowall 2004: 40).
3)   کانت علی إلامارات الكوردية المساهمة في توفير الجنود للإمبراطورية العثمانية في أوقات الحرب و کان علی الدولة العثمانیة مساعدة الکورد وحمايته من أي هجمات خارجية.
4)   علی إلامارات الكوردية دفع الضرائب المستحقة عليهم إلى السلطان العثماني.
مع ذلك، ماكدويل (2004: 40) و غونتر (2011: 64)  يؤكدان علی أنه لم تکن كل إلامارات الکوردیة تدفع الضرائب.  نتيجة لهذه المفاوضات تم إنشاء ستة عشرة إمارة و التي غطت حوالي ثلث کوردستان. كانت المناطق الکوردیة المتبقية منقسمة إلى عشرين  سنجاقا و التي کان البعض منها تدار مركزيا من قبل الدولة العثمانیة (Gunter 2011: 64). ان نظام الامارات الشبه المستقلة استمر حتى منتصف القرن التاسع عشر.
الحكم الذاتي في مرحلة ما بعد ١٨٥٠
شهدت الإمبراطورية العثمانية تغيرات أساسية في إدارتها للمناطق الشاسعة التي كانت تحت سيطرتها، وذلك بسبب الضغوط السياسية والاقتصادية من الأوروبيين والتطلعات الانفصالية القومية في کل من اليونان، ومصر، و مناطق اخرى(Özoğlu 2004: 69) وبالإضافة إلى ذلك، كان يبدو من المستحيل للمسؤولين العثمانيين إدارة شؤون رعاياهم في ‌هذە المناطق الکوردیة عن طريق الحكم الذاتي الواسع و دون إشراف حقيقي و مباشر عليها (Çetinsaya 2006: 6). وهكذا، و منذ بدايات القرن التاسع عشر، بدأت الدولة العثمانیة عملية مركزة شاملة في جميع أنحاء عراق الان، وبدأت تفرض رقابة مشددة على الإمارات الکوردیة و بحلول منتصف القرن التاسع عشر لم یبق من هذه إلامارات ما یذکر.
 وصلت عملية المركزة هذه ذروتها في عام ١٨٦٤ حیث صدر ‘قانون الولایات’ و التي جعلت إدارة الأراضي والشعوب مركزية الی حد بعید. فالمستويات الإدارية المعمول بها في قانون الولایات  و تعديله في عام ١٨٧١ خدمت النزعات المركزية للسلاطين العثمانیة ‘، و لکنها تسببت في الكثير من المتاعب السیاسیة لهم. ان التسلسل الهرمي الاداري أصبح كما يلي (Yazbak 2007: 50, Çetinsaya 2006: 8) الولایة (يديرها والي) ، سنجاق او اللواء (يديرە متصرف)، قضاء یدیرە قائمقام، ناحیة  (يديرها مدیر ناحیة)، والمجلس القروي (يديره مختار). تظهر عملية المركزة جلیا إذا قمنا بدراسة كيفیة تعیین المسٶلین في المناصب المذكورة. كان الولي يعين من قبل السلطان نفسە وليس عن طريق اختيار الشعب  (Mawlwd, 2009: 68)، وكان المتصرف يعين من قبل السلطان تحت إشراف الوالي. كان القائمقام یعين أيضا من قبل السلطان (Davison 1964: 147)  تحت إشراف وزارة الداخلية. وبالإضافة إلى ذلك، فالمختار کان یعین من قبل القائمقام و قبول شيوخ مجلس القرية. کان المختار یصیر موظفا في الحكومة ومن خلاله كانت الحكومة على علم بما كان يحدث في القرية (Yazbak 2007: 50). بهذه الطريقة، كانت عملية المرکزة تمتد إلى أصغر وحدة في الدولة فکانت تمتد من السلطان وصولا الى المجتمع الريفي.
تم تشکیل الدولة العراقیة الحدیثة من بقایا ثلاث ولایات عثمانیة و هي الموصل وبغداد والبصرة. كانت ولایتي الموصل و البصرة جزأ من ولاية بغداد حتى 1875 عندما أصبحت البصرة ولاية مستقلة بقرار من السلطان. ولكن نظرا للصراع على السلطة بين النخب، وضعت الموصل تحت إمرة بغداد مرة أخرى. ثم، أخيرا و في عام 1884 أصبحت الموصل ولایة مرة أخرى و حتى قيام الدولة العراقية (Çetinsaya 2006: 66-71).الحدیثة.  أصبح الموصل ولایة منفصلة من بغداد في عام 1879 (Hopwood et al. 1993: 3)، ومع ذلك، فحدودها لم تکن ثابتة بل خضعت لعدة تغييرات و قد تم ذلك من خلال إضافة او استقطاع بعض المناطق التي قطنت فیها الکورد. من حيث التجارة والاقتصاد، کانت هذه الولایات الثلاثة یدیرون أعمالهم في اتجاهات مختلفة. كان الموصل متجها نحو حلب وتركيا؛ و البصرة کانت تتاجر مع الخليج والهند، في حين أن بغداد کان يميل أكثر نحو بلاد فارس.
ان إزالة النظام القديم للحكم الذاتي الواسعة النطاق واستبدالها بنظام الولایة لم تتم بسلاسة، بل واجهت مشاكل سياسية خطيرة. وتعليقا على النتائج السياسية لازالة إلامارات الکوردیة، یکتب ماكدويل (2004: 49)  أن هذه الكيانات السياسية الکوردیة، وإن كانت سببا وراء بعض النزاعات، كانت عاملا حاسما في الحفاظ على توازن القوى عبر تنظيم العلاقة بين القبائل والإمبراطورية وداخل القبائل أنفسهم. ولذلك، أدت هذه العملية المركزية الی تدهور الاقتصاد، و معارك بين القبائل، و زيادة في أعمال اللصوصية و السرقة. وفوق كل هذا، أدى إلى اشتعال الطموح الوطني الكوردي في وجود دولة مستقلة خاصة بهم. اندلعت أول ثورة کوردیة ضد العثمانيين بهدف إنشاء دولة کوردیة في عام 1880. كان الثورة برئاسة الشيخ عبيد الله النهري (McDowall 2004: 53, Gunter 2004: 204). وتبع ذلك ظهور القوميين الکورد المنبثقة من عائلات الطبقة المتوسطة ومن شيوخ العشائر.
الحكم الذاتي منذ تأسيس الدولة العراقية
تأسست الدولة العراقية بموجب تفويض من بريطانيا، وتأسست أول مجلس للوزراء في عام ١٩٢٠. وفي أغسطس عام ١٩٢١، توج ‘فيصل الأول’ کأول ملك علی العراق (Al-Hasani 2008: Volume 1/233). كان العراق خليطا من الولایات الثلاث المذكورة، الموصل و بغداد و البصرة. من حيث القومیة ، یتکون العراق من العرب والکورد والتركمان و اقوام اخری. اما من الناحیة الدینیة فإن العراق أكثر تعقيدا و تتكون من الشيعة و السنة و المسيحيين و الشبك و اليزيدية، و الصابئة  وغيرها. و لکن من حيث التأثير على السياسة الواقعية منذ تأسيس الدولة العراقیة، فان الانقسام المٶثر کان بين السنة العرب و الشيعة العرب و الکورد. بعد خيبة أمل الکورد في بريطانيا وعصبة الأمم في تنفيذ معاهدة سيفر عام ١٩٢٠ و التي سمحت أن يكون لهم  دولة مستقلة خاصة بهم، وبعد فشل شيخ محمود (الذي أعلن نفسه ملك کوردستان) في تأمين دولة مستقلة للکورد الذين سكنوا في ولاية الموصل، و بعد قمع ایة حراک کوردي نحو المطالبة بحقوقهم من قبل القوات الجویة البریطانیة و الحکومة العراقیة،  اصبح الاتجاه العام بين الکورد في العراق تعمل من أجل الحصول على الحكم الذاتي ضمن العراق، و إدراجهم في عملیة صنع القرار في الحكومة المركزية، و التمتع بالحقوق الثقافية.
في عام 1929، وقع ستة نواب من الکورد عريضة قدمت لرئيس الوزراء و طالبوا فیها: أولا، الزيادة في نفقات قطاع التعليم في المحافظات الکوردیة، وثانيا، إنشاء إدارة موحدة للکورد المقيمين في محافظات السليمانية وكركوك، وأربيل تحت إدارة الکورد انفسهم. و قد  طلبوا ایضا أن هذه الإدارة تكون المؤسسة الوحيدة الرسمية التي تربط الکورد مع العراق، وثالثا، زيادة في الإنفاق علی الاستثمار في المناطق الکوردیة. كان ينظر إلى الطلب الثاني کخطر كبير على وحدة العراق ورفض من قبل المفوض السامي ورئيس الوزراء (Al-Hasani 2008: Volume 3/311). في الواقع، ان حدة المطالبة بهذە الحقوق کانت تتصاعد مع تصاعد قوة الکورد السیاسیة و تنخفض مع انخافضها. ومع ذلك، و لمرتين، منذ ١٩٢٠، أصبحت هذە المطالب للحكم الذاتي واقعا علی الارض، أولا ١٩٧٠ حتی ١٩٧٥ وثانيا منذ عام ١٩٩١ وحتى الآن.
الحكم الذاتي لمدة خمس سنوات: ١٩٧٠ حتی ١٩٧٥
ان عام ١٩٧٠ شهد واحدة من التغييرات الكبيرة في سياسة الحكومات العراقية تجاە الکورد منذ ١٩٢٠.  فقد تم إعلان بيان مارس كتسوية للمشاكل الکوردیة التي کانت لها حصة الأسد في شل النظام السياسي في العراق (Anderson and Stansfield 2004: 52). ان المفاوضات للاعتراف بحق الحكم الذاتي والحقوق الثقافية للکورد فشلت و التي کانت قد بدأت منذ أكثر من عقد قبل هذا التاريخ بين عبدالکریم قاسم (رئيس الوزراء العراقي) و البارزاني (رئیس الحزب الديمقراطي الکوردستاني الذي کان يمثل الکورد). ثم في عام ١٩٦٦ تم البدأ بجولة ثانیة من المفاوضات بین عبدالرحمن البزاز (رئيس وزراء العراق)  مع البارزاني، ونتيجة لذلك و للمرة الأولى اعترف البزاز بحق الحکم الذاتي للکورد. ومع ذلك،  فإن هذە الخطوة أدت إلى فصل البزاز في نفس العام و الاستغناء عن خدماتە من قبل القومیین العرب (Yildiz 2007:17). في يوليو عام ١٩٦٨، قام حزب البعث بالانقلاب وكان (مجلس قيادة الثورة) المؤسسة الرئيسية للبت في مصير مستقبل العراق السياسي. ان حزب البعث کان قد قام بدراسة أسباب فشل الأنظمة السابقة في العراق، و لهذا بدء بتنفيذ استراتيجية جديدة للبقاء في السلطة. كانت الاستراتيجية الجديدة تعتمد علی القضاء على ما یمکن وصفە بعقبات الاستقرار، بدءا من تصفية رفاقهم الذين شاركوا بنشاط في الانقلاب ولكن لم یکونوا منتمین الى حزب البعث. بعد ذلک ، قام البعث بتصفية الحزب من غیر العسکریین و سیطر ضباط البعث علی مؤسسة صنع القرار (Anderson and Stansfield 2004: 50-51). و بعدها أصبحت حل المعضلة الکوردیة الأكثر أهمية في جدول أعمال البعث. تم التوصل إلى الاتفاق بعد مفاوضات بين الکورد والحكومة العراقية وأعلن في مارس (آذار) ١٩٧٠. هنا ملخص للنقاط الرئيسية والمهمة من البيان (Yildiz 2007: 18, Sluglett and Sluglett 2001: 142, Izady 2004: 78, Ghareeb et al. 2004: 155-156, Anderson and Stansfield 2004: 52) و  التي كانت تفترض ان تطبق بالکامل في اربع سنوات (, 2012: 152  Marr):
1)         إنشاء إدارة مستقلة للکورد في الأماكن التي كانوا يتمتعون فیها بالأغلبية
2)         إجراء التعداد السکاني لمعرفة أين یشکل الکورد أغلبية ، ومن ثم إنضمام هذه المناطق ذات الأغلبية الکوردیة الی إلادارة الذاتیة للکورد.
3)         إدراج الکورد في صنع القرار في مؤسسات الحكومة المركزية وفقا لنسبتهم، و أنه ينبغي أن يكون نائب الرئيس کوردیا.
4)         يجب أن تکون الکوردیة لغة رسمية في الدستور بجانب اللغة العربية، و ان تکون اللغة الرسمیة في المناطق ذات الأغلبية الکوردیة.
5)         ان للکورد التمتع بنعمة الموارد الطبيعية وفقا لنسبتهم، بما في ذلك حقول نفط كركوك.
6)         بعض القضايا الأخرى، مثل الإصلاح الزراعي في المناطق الکوردیة و واجب الحكومة العراقیة دفع المعاشات التقاعدية للبيشمركة الکوردیة (المقاتلين الکورد).
يمكن أن يقال ان هذا الحكم الذاتي مر بثلاث مراحل: المرحلة الاولی  من ١٩٧٠ إلى منتصف ١٩٧١ التي شهدت إعلان البيان والأمال لتسوية سلمية للمسألة الکوردیة، المرحلة الثانیة من منتصف ١٩٧١ الی ١٩٧٤ و التي تمیزت بتدني الثقة المتبادلة بین الجهتین و الجریان نحو الوراء في تطبیق إجراءات الحكم الذاتي، وأخيرا عام ١٩٧٥ و التي شهد نهاية الحكم الذاتي. ان الأسباب الكامنة وراء فشل بيان مارس متعددة و سوف نذکرها بعد ذکر امثلة علی البیئة السیاسیة التي مرت بها بیان اذار.
بدأ الطرفان (الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الکوردستاني) حملة لتشويه سمعة بعضهم البعض في وسائل الإعلام الخاصة بهما. اتهم الحزب الديمقراطي الکوردستاني الحكومة العراقية بتسليح الجماعات الکوردیة المتنافسة لە(Izady 2004: 78).قامت الحكومة العراقية بحملة تعريب شاملة في كركوك  (Anderson and Stansfield 2004: 53) ومناطق في الموصل وطرد ٤٥ الفا من الكورد الفيليين في خانقين الى ايران و اسکان العرب في منازلهم (Marr 2012: 152). كلا الطرفین أقام علاقات شراكة مع كتل متضادة في الحرب الباردة. فقد قام حزب البعث بتأميم النفط معتمدا على الاتحاد السوفياتي (Anderson and Stansfield 2004: 54-5) و اعترف البارزاني بالحصول على مساعدات من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران (Ghareeb 2004: 156, Sluglett and Sluglett 2001: 164). نفذت الحکومة العراقیة من خلال المخابرات العراقیة محاولتين اغتيال فاشلة في عامي 1971 و 1972 ضد البارزاني (Yildiz 2007: 19). بقيت المدينة الغنية بالنفط –كركوك- عقبة لم يكن من السهل تجاوزها. فالبارزاني أصر علی ان کرکوک یجب ان تکون تحت سيطرة الحكم الذاتي (Sluglett and Sluglett 2001: 167).
وأسفرت هذه الحوادث وغيرها افي فشل ترتيبات الحكم الذاتي. والسؤال هنا هو، لماذا لم تتم هذە الترتيبات بسلاسة؟ يمكن تلخيص الأسباب في النقاط التالية:
1)     الثقة المتبادلة بين الطرفين کانت في انهیار مستمر. لم يثق البارزاني و الکورد بالبعث و بصدام (الذي کان نائب رئيس العراق). تاريخ الصراع بين الکورد والحكومات المتتالية أنتجت تجربة مریرة لدی الکورد و أنهم فقدوا الثقة في أي حل من قبل الحكومة، واعتبروا المفاوضات تحركات تكتيكية من قبل الحکومة لكسب الوقت كما حدث مع قاسم والبزاز. نظام البعث أيضا لم يكن لديه الثقة في الحزب الديمقراطي الکوردستاني. ففي الوقت الذي اکتمل سيطرة على العراق بدأ قیادة البعث بتغيير وجهة نظرە من الحكم الذاتي.
2)     كان للطرفان تفسيرهم الخاص للحكم الذاتي وكانوا یعملون من أجل فرض رؤيتهم بأي وسيلة ممكنة. عند البارزاني كان للحكم الذاتي معنى قریبا إلى الاستقلال. ففي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست في عام 1973، قال البارزاني انه اذا عمل الولايات المتحدة علی حمايتهم من الذئاب (نظام البعث) و فانه سيعطي نفط كركوك إلى شركة أمريكية (Anderson and Stansfield 2004: 56). من جهة اخرى، قال صدام 'نعطى الحكم الذاتي علی أساس الشعب، وليس علی أساس التربة’ (Bengio 1998: 114).
3)     وثمة مسألة حيوية أخرى أدت إلى فشل البيان و هو عدم وجود التحكیم الدولي.
4)     كما هو واضح من اسم الاتفاق، فإنه لم يكن سوى 'بيان' و لم یکن یترتب علیە أية التزامات قانونية من كلا الجانبين. و لکن حتى لو كان هذا الاتفاق لتصبح جزءا من الدستور العراقي المٶقت، فإنه لم یکن من شأنها أن تٶدي الی أية تغييرات مؤثرة، كما هو الحال في الدول الاستبدادية المدارة من حزب واحد. فلا یوجد في هذە الدول أمل کبیر في احترام الدستور.
الحكم الذاتي في العراق منذ عام ١٩٩١
تاريخ الحكم الذاتي في العراق، منذ عام ١٩٩١ وحتى الآن، يمكن تصنيفها إلى فترات ١٩٩١-٢٠٠٣ والفترة من عام ٢٠٠٣ وحتى الآن. تمتلك كل عصر علی حدة أوصافا سياسيا خاصة بها، و لکننا في هذە الدراسة نتحدث فقط و بإختصار عن الفترة الاولی. ففي هذە الفترة كان الکورد يتمتعون بحكم ذاتي لم يسبق له مثيل من حيث الاستقلال في صنع القرار السياسي. هذا الحكم الذاتي جعل غونتر (1993) یسمي اقليم کوردستان ب’دولة واقع‘ أو جعلت ناتالي (2010: xiv) تسميها ب’ شبه دولة‘. تم إنشاء حكومة إقليم کوردستان بعد فشل المفاوضات بين الحكومة العراقية (التي ترأسها صدام حسین) والجبهة الکوردستانية  التي كان مزيجا من مختلف الأحزاب الکوردیة التي قاتلت ضد نظام البعث. تأسست حكومة إقليم کوردستان من قبل الجبهة الکوردستانیة عام ١٩٩٢ نتیجة سحب الحكومة العراقية جميع الوحدات الإدارية والسياسية والعسكرية من المناطق الکوردیة المحددة في بيان اذار. هذە الخطوة من الحکومة العراقیة اثبتت عدم قدرتها على ممارسة سلطتها القانونية وسيادتها علی هذه المناطق (Stansfield 2003: 121-144).
ان ضعف الحکومة العراقیة کانت نتیجة لسیاساتها المرکزیة و الاقصائیة تجاە الکورد بشکل خاص. فالحکومة العراقیة اتفقت مع ایران علی حل النزاع الموجود بینهما علی شط العراب بشرط تخلي ایران عن مساندة البارزاني في عام ١٩٧٥.   ونتيجة لعدم اعتراف صدام بالاتفاقیة العراقیة-الایرانیة علی ملكية شط العرب  (Potter and Sick 2004: 3) أشعل الحرب بين العراق وإيران في عام ١٩٨٠ واستمرت حتى عام ١٩٨٨، وتكلف كلتا الدولتين الموارد المادية (Sluglett and Sluglett 2001: 271) وإمكانات بشرية هائلة. في عام ١٩٩٠، غزی العراق الدولة الكويت الغنية بالنفط، و التي هي صغيرة الحجم نسبیا، لتعويض خسائرها في حربها مع إيران. ولكن، للمفارقة، فإنه أدى بالعراق لخسران جزء من سيادتها على أراضيها. هذە الخطوة من العراق جعلت الدولة ضعيفة جدا وعرضة للانهيار و الثورات و الانتفاضات من الداخل. فإن الشيعة، و بدعم من أطراف في المعارضة، في الجنوب بدأوا التمرد ضد نظام البعث و سیطروا علی مناطق واسعة (Khadduri and Ghareeb 1997: 190). و بعدهم قام الکورد في ٥ مارس ١٩٩١، بالانتفاضة ضد البعث والسيطرة على المدن الکوردیة الأربع، ومن ضمنها كركوك، في أقل من شهر.
کان لا یزال لدی نظام البعث قوة کافیة لسحق الشيعة والکورد. وبالتالي فإنه بدأ بالانتقام من الشيعة أولا و سحقهم بلا رحمة واستعاد المدن من تحت سیطرتهم (Anderson and Stansfield 2004: 89). على الرغم من أن بعض الشيعة فروا من البلاد وعبروا الحدود إلى المملكة العربية السعودية، و لکن لم ينتج نزوحهم نفس التأثير على المجتمع الدولي كما فعل النزوح الكوردي عندما فر أكثر من نصف الکورد، اکثر من مليوني نسمة، الی إيران أو تركيا. كان حجم النزوح ضخما بحيث لم يعد من الممكن أن تبقى مخفية. بالنسبة للکورد، تمخض نزوحهم الی ولادة فرصة جديدة لهم لممارسة الحكم الذاتي على ما اعتبروه أرض أجدادهم. اضطر المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الى تقديم ملاذ آمن للکورد بالعودة إلى العراق دون خوف من الانتقام من نظام البعث. أعلن الملاذ الامن علی خط ٣٦ كمنطقة حظر الطيران، التي شملت مناطق واسعة في اربيل ودهوك والموصل وجزء من السليمانية. قدم الملاذ الامن للکورد والأحزاب الکوردیة، ما يكفي من الأمن ليعودوا إلى مدنهم و ینشئوا حکومتهم  (McDowall 2004: 375). بدأت المفاوضات بين الحكومة العراقية و الجبهة الکوردستانیة  و التي استمرت لبضعة أشهر. فشلت هذه المفاوضات في نهاية المطاف و نتیجة لهذا سحبت الحكومة العراقية جميع وحدات الإدارة واصبحت المنطقة الکوردیة في فراغ اداري كان ينبغي أن یملأ من قبل الجبهة الکوردستانیة.
أن فشل هذه المفاوضات کانت لأسباب: أولا، عدم الایفاء بالوعود من قبل الحکومة العراقیة و التي وافقت في اول الامر علی أن كركوك سيتم التنازل عنها لمنطقة الحكم الذاتي الکوردی. ومع ذلك، و بعد حصولها على ثقة كبيرة في قوتها العسكرية فشلت في مواكبة هذا الوعد  (McDowall 2004: 376). ثانيا، كانت هناك انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف المتفاوضة بسبب تاريخهم من المفاوضات، مثل عام ١٩٦٠، عام ١٩٦٦، عام ١٩٧٠، وعام ١٩٨٤. وأخيرا، كانت كلا الطرفين غير مقتنع بأن الوقت قد حان للمفاوضات. فالکورد كانوا معترفین بهم دوليا الی الحد الذي قدم المجتمع الدولي لهم الملاذ الآمن، وكان لدیهم عدد كبير من القوات المقاتلة (البيشمركة). وقد کان حزب البعث یأمل أن يتوقف المجتمع الدولي قريبا عن دعم الکورد، كما فعلت في عام ١٩٧٥.
وكانت لهذه المفاوضات الفاشلة تأثيرات كبيرة على العراق ككل والکورد خاصة. قررت القیادة السياسية للکورد عقد أول انتخابات کوردستانیة في تأریخهم وإقامة حكومة خاصة لهم. أصبحت المناطق الکوردیة ملاذا للأحزاب المعارضة العراقية الأخرى التي أنشأت مقارها في السليمانية أو أربيل، التي كانت حتى ذلك الحين تتخذ مقارا لها في إيران و أوروبا. عقدت الإنتخابات في شهر مايو ١٩٩٢ للبرلمان الذي کان يتألف من ١٠٥ مقعدا، بما في ذلك خمسة مقاعد مخصصة للتركمان والآشوريين. وأسفرت الانتخابات في استقطاب السياسة في المنطقة الکوردیة في طرفین، الحزب الديمقراطي الکوردستاني والاتحاد الوطني الکوردستاني. من بين التشريعات الأولى التي أعلنتها حکومة اقلیم کوردستان في بدايات شهر أكتوبر عام ١٩٩٢ هو اعتبار الفيدرالية الأداة التي من خلالها ترتبط الاقلیم سياسيا مع الحكومة المركزية.   .
القومیة أو العروبة کسبب من أسباب الصراع في العراق الحديث
هناك تقريبا إجماع بين المؤرخين والعلماء أن العراق كان من صنع المصالح الاستعمارية البريطانية في دمج الولایات الثلاث بغداد و البصرة و الموصل (Marr 2012: 21, Dodge 2003, Simon et al. 2004, Polk 2006: 5). تأریخیا، کتب ياقوت الحموي (1179 - 1228) عن العراق و حسب ما کتبە فإن بعض الناس في ذلك الوقت اعتبروا العراق بابل ، و ظن آخرون ان العراق هو البصرة والكوفة معا (Al-Hamawi 1977: 93). وهكذا، لم يكن العراق سوى جزءآ في وسط العراق الحديث.  فلم یکن الشمال من بغداد والمناطق الجبلية جزءا من العراق التاريخية.
في بداية الحرب العالمية الأولى، أرادت بريطانيا الحفاظ على سيطرتها على الخليج الفارسي كممر استراتيجي لتجارتها مع مناطق واسعة بما في ذلك إيران و إمارات الخليج (Yaphe 2004: 20). وكانت الخطة البريطانية الأولية هي القبض على ولاية البصرة فقط و من هناك کان بالامکان السیطرة على الشواطئ الخليج كله (Hopwood 1993: 6). تم تنفيذ هذه المهمة في ١٩١٤ بالسیطرة على البصرة و وضعت تحت السيطرة المباشرة للمكتب الهندي. في عام ١٩١٨، كان العراق الحديث بأكملها تحت السیطرة البريطانية. و لغرض إضفاء الشرعية على وجودها في العراق، أجرت بريطانيا أول استفتاء في عام ١٩١٩ على مسألة عما إذا كانت ینبغي ان تنشأ دولة تمتد من الموصل الى البصرة او لا، أو إذا فضلت السيطرة المباشرة البريطانية على الدولة ام لا، و أخيرا إذا كانت هناك حاجة إلى ملك عربي على رأس الدولة. و لکن الاستفتاء قد انتقد كثيرا (Dundar 2012: 15)  لعدم الكشف عن النتائج، كما أنه قد سمح فقط لبعض أشخاص معينين في التصويت. وكانت النتيجة لصالح حکم عربي و ضد الحكم المباشر البريطاني. إن البريطانيین کانوا منعزمین علی عدم فقدان سیطرتهم علی العراق بعد خسائرهم الجسيمة و لکن تماشیا مع حق تقرير المصير الذي أعلنه ويلسون، وضع العراق تحت الانتداب البریطاني بقرار من عصبة الأمم في شهر أغسطس ١٩٢٠. ردود الفعل ضد الانتداب أدت إلى تمرد واسع في جميع أنحاء العراق. سمي هذا الحراک في وقت لاحق من قبل العراقيين ثورة العشرین الکبری. في حوالي ثلاثة أشهر من التمرد ، سحق الحراک بقسوة من قبل القوات البريطانية. في أغسطس عام ١٩٢١، تم تتویج فيصل من قبل البريطانيين کأول ملك علی العراق (Nissen and Heine 2009: 152).
الدولة العراقية و نقاش الهوية و القومية
ان المباديء الأساسیة للبدائیة Primordialism (Yang 2000: 42) تتمحور في ثلاثة نقاط: اولا الهویة الإثنیة موروثة و عمیقة الجذور. ثانیا، الهویة الإثنیة ثابتة و جامدة. فالاصول البیولوجیة و و الثقافیة والعرقیة تحدد الهویة الاثنیة. حاول کل من إیلر و کولان  (1993) تلخیص البدائیة في ثلاثة خصائص؛ القبلیة (بفتح القاف و سکون الباء) أي ان الهویة الإثنیة معطاة قبل ایة تفاعل فردي،  شعوریة (اعضاء الإثنیة یشعرون بتعلق شدید بینهم) و مٶثرة (الهویات الإثنیة عبارة عن مشاعر و أحاسیس و تعلقات عضویة). كان إيلي الخدوري بين أول العلماء الذين انتقدوا أساسيات البدائیة من خلال انتقادە للفکرة لقومية. ويعتقد الخدوري أن القومية هي ظاهرة حديثة و کذلك الدول. یری الخدوري أن فكرة 'الإنسانية تنقسم بشكل طبيعي علی قومیات، و أن کل قومیة یعرف و یتعرف علیها بخصائص معینة، وأن النوع الوحید للحكومة الشرعية هو الحکم القومي' لم يوجد إلا في نهاية القرن الثامن عشر (Kiddouri 1960: 9). إرنست غلنر كتب بشکل واسع عن الأمة و القومية ويسأل (Gellner 1983: 90) ‘هل للقوم سرة؟’. ويذكر غلنر أن 'بعض الدول لديها سرات حقيقية قديمة، وبعضها لها سرات مخترعة عن طریق الدعاية القومية الخاصة بها، وبعضها لا سرة لها بالمرة ...و لکن الفئة المتوسطة هي الاوسع انتشارا' (Gellner 1983: 96). و في مکان أخر کتب جیلنر 'انها ليست تطلعات القوم هي التي تخلق القومية: بل إن القومية هي التي تخلق القوم'. مسلک خدوري و جیلنر یعرف بالمسلک المعاصر Modernism. و لکن این تکمن اهمیة دراسة هذە المسالک في دراسة القومیة؟ اهمیتها هي في تأثیر کل منهما علی فهمنا لمسألة الصراع الإثني. فمن تبنی المسلک البدائي یکون عادة میالا نحو التنقیب في امجاد التأریخ و یری في کل ما یفعلە من اجل نصرة اثنیتە مشروعا و مبررا. و من جانب اخر، عادة ما یکون المٶمن بالبدائیة جوهریا (أي یری ایة حراک من المقابل کإنذار لە).
و لکن المشکلة الاساسیة للقومیة في العراق تتمثل بالمعادلة التالیة: بینما یتخذ القومیون العرب موقفا بدائیا من قومیتهم، فإنهم اعتنقوا المسلک الحدیث في معاملتهم مع الأقوام الاخری. أي انهم اعتقدوا و تعاملوا مع القومیة العربیة کأنها قبلیة، شعوریة، و مٶثرة، و لکن اعتقدوا و تعاملوا مع قومیة غیر العرب علی انها غیر ثابتة، لینة، و متغیرة، وغیر مٶثرة. کان هذا الاعتقاد، فطنوا لە ام لا، أساس معاملاتهم، کما نری في التأریخ العراقي، مع القومیة العربیة و القومیات الغیر العربیة من الکورد و الترکمان و الاشوریة. ويمكن تصنيف المشاريع القومية في العراق وفقا للشرائح المختلفة من المجتمع، ولكن اهم المشاریع القومیة من حيث التأثير على صنع السياسة في العراق هي القومية العربية والقومية الکوردیة. في هذا المجال، هناک نقطتين حيويتین تجدر  الإشارة الیهما:
١- اشترکت المشاريع القومية المختلفة في العراق في ميزة واحدة الا و هي البدائية Primordialism في تصورهم القومي و جوهريتهم من حيث تحرکاتهم السیاسية . البدائیة تشير إلى الاعتقاد بأن جذور هوياتهم الوطنية 'فطریة في التکوین الإنساني، إن لم تكن من الطبيعة نفسها' (Smith 2009: 8). میشیل عفلق، احد المنظرین العرب القومية والعقل المدبر وراء إنشاء حزب البعث، كتب عن القومية في عام 1940 و ذكر 'أن القومية التي ننادي بها هي حب کل شیء. هي نفس العاطفة التي تربط الفرد بأهل بیتە، لأن الوطن بیت کبیر و الامة اسرة واسعة ... و کما ان الحب لا یوجد الا مقرونا بالتضحية فکذلک القومية، والتضحية في سبیلها تقود الی البطولة‘ (Aflaq 1987: 133). أدت البدائية الی أن يكون القومیون جوهريا في تصوراتهم السياسية، أي أن ایة حراک سياسي من جانب احدی المکونات يعتبر تهديدا ضد وجود الاخر، وبالتالي، في بعض الأحيان، كانت حتى المفاوضات حول قضايا الهوية و الاندماج تعتبر إذلالا للاخر.
٢-  ان  القوميين في بحثهم عن هويتهم في العراق قد قاموا ببناء رؤية قومية خاصة بهم، بلا إهتمام منهم بالإعتراف بالهویة المتعددة لسكان هذه الدولة الجدیدة النشأة. وعلاوة على ذلك، ان من کانوا في السلطة كرسوا طاقة الدولة لخلق وإنتاج هوية عربیة للدولة، و لكنهم نادرا ما نجحوا. هذا الفشل هو ما میزت مذکرة الملک فیصل الأول قبل أشهر من وفاتە في عام 1933 والذي كتب 'أقول وقلبي ملآن أسى إنه في اعتقادي لا یوجد في في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد تکتلات بشریة خیالیة، خالیة من أي فکرة وطنیة، متشبعة بتقالید وأباطیل دینیة ، لا تجمع بینهم جامعة ، سماعون للسوء ، میالون للفوضى ، مستعدون دائما للانتفاض على أي حکومة كانت ، نحن نرید، والحالة هذه، أن نشکل من هذه الکتل شعبا نهذبه، وندربه ، ونعلمه. ومن یعلم صعوبة تشکیل وتکوین شعب في مثل هذه الظروف ، یجب أن یعلم أیضا عظم الجهود التي یجب صرفها لإتمام هذا التکوین ، وهذا التشکیل‘(Batatu 1978:  25). حتى قبل أربع سنوات من مذکرة الملك فيصل السریة، كتب المندوب السامي البريطاني في العراق الى الملک البريطاني أن 'العراق بالكاد یکون الا تعبيرا جغرافيا. العروق المختلفة التي تعیش في العراق لم یلتحم حتی الان إلى أمة عراقية واحدة. فالكوردي لا يزال في المقام الأول کوردیا و ربما في المقام الثانوي فقط عراقیا (اذا کان حتی یحتسب نفسە عراقیا). الاتحادات القبلية في الفرات لا تعترف و لا تدین بأي ولاء طبيعي للحكومة العراقية. الكوردي لا يزال يكره ويحتقر العرب و المسيحي يكره ويخشى المسلمين، والشيعي لا یثق بالسني... ‘(Dobbs 1929).
٣- ان ممارسات الحکومات العراقیة المتتالیة، و خاصة في فتڕة الجمهوریة، تمیزت بإقصاء الکورد و الشیعة العرب من ممارسة السلطة. بل و اشد من ذلک، فقد اعتمدوا أسلوب ما یعرف بإزالة الاختلاف بدلا من سیاسة إدارة الاختلاف. فنری الحکومات العراقیة قد لجأت للتعریب، تغییر الهویة، ترحیل الکورد و التورکمان و اسکان العرب مکانهم، التطهیر العرقي، و الجینوساید. و ما عملیات الانفال و قتل الکورد و الشیعة و القصف الکیمیاوي و تهجیر الناس و هدم قراهم منا ببعید.
المشاریع القومیة في العراق و طبیعتها
بدأت نشوء القومية العربية في العراق کردة فعل تجاه إجراءات التتريك من قبل الإمبراطورية العثمانية، وخاصة عام ١٩٠٨ و انقلاب ترکیا الفتاة عندما سيطر الأتراك القوميون علي السلطة (Polk 2006: 104). قبل هذا كان هناك اتجاه عام نحو المشاريع القومية العربية بین العرب المتعلمين. بعد تأسيس الدولة العراقية، اعتمدت القومية والقوميين العرب طريقتين مختلفتین، احداها كانت تدعوا إلى بطلان الحدود الحالية بين الدول العربية وتوحيد العرب في كيان واحد، وهذا كان يعرف باسم العروبیة الجامعة (Lukitz 2005: 30).  كانت للعروبیة الجامعة عدد كبير من المؤيدين بين النخب السیاسیة في العراق، وعلى رأسها السنة العرب. حتى الملك فيصل کان ینتمي الی هذە العروبیة الجامعة. فقبل تتویجە ملکا على العراق كان قد أعلن نفسە ملكا علی سوريا و كان موقفه تجاه العروبة لم تتغير كثيرا حتى عندما أصبح ملكا على العراق (Masalha 1991: 679). وعلى عكس العروبية الجامعة، كان هناك مٶیدي القومية العراقیة خصوصا بين الشيعة الذين کانوا يخشون من نجاح العروبة الجامعة، لإنها في حال تأسیس دولة عربية واحدة موحدة ستكون أقلية صغيرة ومضطهدة من قبل السلطات السنية. وكانت هذه المشاريع القومية المثيرة للجدل المصدر الرئيسي للصراع بين السنة والشيعة منذ تأسيس العراق (Nakash 2003: 112). إن العروبیة الجامعة بدت أقوى بسبب إعتمادها من قبل الضباط الشريفية السابقين ، والمسؤولين السابقين العثمانين، والطبقات المتعلمة. وكان هٶلاء أساسا من العرب السنة، بسبب السياسات الإمبراطورية العثمانية في تجنيد السنة العرب في إدارة الدوائر الحکومیة والمواقع العسكرية. و من جانب اخر، إن رجال الدين الشيعة أصدروا أوامر للشيعة ینهون الآباء عن إرسال أطفالهم إلى مدارس الدولة العلمانية التي تشرف عليها والي بغداد ، وحتى ان بعض رجال الدين حظروا أي تعاون مع العثمانيين السنة في إدارة الدولة و منعوا الشيعة من المشاركة في الانتخابات عام ١٩٢٣ في العراق (Nakash 2003: 109).
من جانب اخر، كان هناك القومية الکوردیة التي عملت بجد لإقناع البريطانيين وعصبة الأمم لضمان قيام دولة کوردیة خاصة بهم. في معاهدة سيفر، التي تم توقيعها کمعاهدة سلام بين ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء في أغسطس ١٩٢٠. حسب سیفر منحت الکورد دولة. فوفقا للقسم الثالث، المواد 62-64، کان یمکن أن يكون للکورد دولة مستقلة خاصة بهم في جنوب الحدود ألارمينية (Treaty of Sèvres 1920: Article 64). ومع ذلك، رفضت الدولة الکوردیة من قبل القومية التركية المزدهرة ، وقد ألغیت معاهدة سيفر بضغط من ترکیا واستعيض عنها بمعاهدة سلام جديدة تعرف باسم لوزان في يوليو ١٩٢٣. مع هذە المعاهذة الجدیدة ذابت التطلعات القومية الکوردیة و اصابوا بخیبة امل کبیرة (Lukitz 2005: 34). و لکن خيبة أملهم هذە عملت علی تنامي الشعور القومي الکوردي و ابراز اکثر للهوية الکوردیة.
ان الطبيعة البدائية للقومية العربية و الکوردیة، جعلتهم ینطلقون بحثا عن هویاتهم  في التاريخ. بدأ الکورد بالتنقیب في تاريخه القديم بحثا عن امجاد ألاجداد في سبیل جمع الدعم العاطفي لقضیتهم و بدأوا يحتفلون بعيد النوروز و إشعال النار في جميع أنحاء جبال وسهول کوردستان. بالنسبة للکورد، نوروز يرمز الى انتصار الکورد المضطهدين (ممثلة برجل يعرف باسم كاوا الحداد) على الظالم الجبار. و بدأ الکورد باستعمال التقويم الكوردي الذي يعود إلى حوالي ٧٠٠ سنة قبل الميلاد، الحقبة التي شهدت تأسيس الإمبراطورية المیدیة (يعتقد القوميين الکورد انها کانت إمبراطورية کوردیة). من جانب اخر سعت القومية العربية، ممثلة في الغالب من قبل العرب السنة، البحث عن المجد في تاريخ الإسلام السیاسي، وخاصة العصر العباسي الذي، في رأیهم، شهد ذروة الحضارة والمجد، ففي هذه الحقبة بنيت بغداد الذي کان عاصمة السياسة والتعليم. ومع ذلك، فإن الشيعة لم تجد فخرا في أي من هذه الهويات. وعلاوة على ذلك، حتى أنها تعتبر معظم الخلفاء العباسيين ظالمین مستبدین للشيعة بسبب انتمائهم الديني.
وأسفرت هذه المشاريع القومية المختلفة في عدم الاستقرار السیاسي منذ قيام الدولة العراقية، وأخذت الأشكال التالية:
1)   الانتفاضات المباشرة وغير المباشرة ضد الوجود البريطاني في العراق وضد الحكومات العراقية (قبل ١٩٣٢ و خلال الاتنداب البریطاني وبعد ١٩٣٢). و مجرد کأمثلة نذکر ما يلي: انتفاضة عام ١٩٢٠ (المعروفة باسم ثورة العشرین) (لعلي الوردي كتابين عن هذه الثورة)، والحركة الکوردیة بقيادة الشيخ محمود الحفید في السليمانية ضد البريطانيين (من ١٩١٨ و حتی بدایة الثلاثینیات)، انتفاضة السليمانية في عام ١٩٣٠ ضد البريطانيين والحكومة العراقية (Al-Hasani 2008: Volume 2/ 312)، ومذبحة الآشوريين في عام ١٩٣٣.
2)   ان عددا کبیرا من الوزارات العراقیة قدا استقالوا او حلتهم البرلمان العراقي، أو أطیح بهم في انقلابات عسكرية و کانت سبب عدم الاستقرار هذا وجود مشاریع قومیة متضادة. فقط في الفترة الملكیة من ١٩٢١-١٩٥٨، في خلال ٣٧ سنة کانت هناک ٥٩ وزارة في العراق (Ghareeb et al. 2004: 337).
اكتسبت العروبیة الجامعة العربية زخمها في أوائل ١٩٥٨ عندما اندمجت المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية وأنشأتا الاتحاد العربي في لعراق والأردن (Weitzman 1990: 65)، و لکن فشل الإتحاد في عام 1958 بسبب الإطاحة بالمملكة العراقية من قبل ضباط الجيش.
في الختام نذکر بأن عدم وجود استقرار سیاسي في العراق لە أسباب متعددة کثیرة منها ما هي سیاسیة، اقتصادیة، سلوکیة، او اجتماعیة. ولکن هذا البحث رکز علی سببین متلازمین اثنین و هما أولا، مشکلة الإقصاء السیاسي و عدم وجود ادارات ذاتیة حقیقیة للکورد في العراق، و ثانیا مشکلة القومیة العربیة و تعاملها البدائي من نفسە و المعاصر مع الاخرین.













المصادر:
Aflaq, Michael. (1987). Fi sabil il Ba'th. 1st Volume, Baghdad, National Library.
Al-Hamawy, Yaqut. (1977). Mu’jam u al-Buldan, Lebanon, Beirut, Dar al-Sadir.
Al-Hasani, A. As-Saed. (2008). Tarikh ul Iraq as syasi al hadith. 1st Volume, 7th Edition, Lebanon, Beirut, Dar u Rafidayn for Printing, Distribution, and Dissemination.
Al-Hasani, A. As-Saed. (2008). Tarikh ul Iraq as syasi al hadith. 2nd Volume, 7th Edition, Lebanon, Beirut, Dar u Rafidayn for Printing, Distribution, and Dissemination.
Al-Hasani, A. As-Saed. (2008). Tarikh ul Iraq as syasi al hadith. 3rd Volume, 7th Edition, Lebanon, Beirut, Dar u Rafidayn for Printing, Distribution, and Dissemination.
Anderson, L. D. and G. R. V. Stansfield (2004). The future of Iraq: dictatorship, democracy, or division? New York, N.Y., Palgrave Macmillan.
Batatu, H. (1978). The old social classes and the revolutionary movements of Iraq : a study of Iraq's old landed and commercial classes and of its Communists, Ba'thists, and Free Officers. Princeton, N.J., Princeton University Press.
Çetinsaya, G. (2006). Ottoman administration of Iraq, 1890-1908. London ; New York, Routledge.
Davison, R. H. (1963). Reform in the Ottoman Empire, 1856-1876. Princeton, N.J.,, Princeton University Press.
Dodge, T. (2003). Inventing Iraq: the failure of nation-building and a history denied. New York, Columbia University Press. Catalogue Reference:CAB/24/201 Image Reference:0029
Dundar, F. (2012). Statisquo : British use of statistics in the Iraqi Kurdish question (1919-1932). Waltham, MA, Crown Center for Middle East Studies, Brandeis University.

Gellner, E. (1983). Nations and nationalism. Oxford, Basil Blackwell.
Gunter, M. M. (2008). The Kurds ascending : the evolving solution to the Kurdish problem in Iraq and Turkey. New York, NY, Palgrave Macmillan.
Gunter, M. M. (2004). Historical dictionary of the Kurds. Lanham, Md., Scarecrow Press.
Gunter, M.Michael. (1993). "A de facto Kurdish State in Northern Iraq." Third World Quarterly, 14 (2): pp. 295-319
Hopwood, Derek. "Social Structures and the New State 1921-1958." in Hopwood, D., et al. (1993). Iraq: power and society. Reading, published for St. Antony's College, Oxford by Ithaca Press.
Imber, C. and ebrary Inc. (2002). The Ottoman Empire, 1300-1650 the structure of power. Houndmills, Basingstoke, Hampshire ; New York, Palgrave Macmillan.
Izady, M.R. Potter,(2004). "Between Iraq and a Hard Place: the Kurdish Predicament." in L. G. and G. Sick. Iran, Iraq, and the legacies of war. New York, Palgrave Macmillan.
Karim, H M Hama. (2008). Mala Idrisi Batlisi, roli la yakxistni mirnishina kwrdiyakanda. Sulaymaniyah, Chwarchra Print.
Kedourie, E. (1960). Nationalism. London, Hutchinson.
Khadduri, M. and E. Ghareeb (1997). War in the Gulf, 1990-91 : the Iraq-Kuwait conflict and its implications. New York, Oxford University Press.
Lukitz, L. and ebrary Inc. (1995). Iraq the search for national identity. London ; Portland, Ore., F. Cass,: xii, 207 p.
Masalha, N. (1991). "Faisal Pan-Arabism, 1921-33." Middle Eastern Studies 27(4): 679-693.
 Maddy-Weitzman, Bruce. (Jan., 1990). Jordan and Iraq: Efforts at Intra-Hashimite Unity, Middle Eastern Studies 26, (1):  pp. 65-75
Mawlwd, M. Omer. (2009). Al fidraliya wa amkanyat tatbiqiha ka nizam syasi (al Iraqu nmwzajan). The University Institution for Research and Publication.
Nakash, Y. (2003). The Shiʻis of Iraq : with a new introduction by the author. Princeton, N.J., Princeton University Press.
Natali, D. (2010). The Kurdish quasi-state : development and dependency in post-Gulf War Iraq. Syracuse, N.Y., Syracuse University Press.
Nissen, H. J. and P. Heine (2009). From Mesopotamia to Iraq : a concise history. Chicago, University of Chicago Press.

Simon, R. S. and E. H. Tejirian (2004). The Creation of Iraq, 1914-1921. New York, Columbia University Press.
Treaty of Sèvres 1920, the text of the Treaty can be found on  http://wwi.lib.byu.edu/index.php/Section_I,_Articles_1_-_260 
Tripp, C. (2007). A history of Iraq. Cambridge. UK; New York, Cambridge University Press.
Yaphe, S. Judith. (2010) "Until They Leave: Liberation, Occupation, and Insurgency in Iraq" in Iraq Between Occupation Perspectives from 1920 to the Present, by Amatiza Baram et al. Palgrave MacMillan.
Yildiz, K. (2007). The Kurds in Iraq : the past, present and future. London ; Ann Arbor, MI, Pluto Press in association with Kurdish Human Rights Project.

No comments:

Post a Comment